وثائق المسرح الكويتي
(الحلقة الأخيرة)
تقرير عن أول تجربة لتطوير النشاط المسرحي في الكويت عام 1963
الأستاذ الدكتور/ سيد علي إسماعيل
ــــــــــــــ
تمهيد :
في الحلقات الثلاث السابقة، عرضت بعضاً من وثائق المسرح في الكويت المتعلقة بإنشاء أول فرقة حكومية مسرحية، وهي فرقة المسرح العربي، كما عرضت وجهة نظر المشرف الفني لهذه الفرقة – زكي طليمات - في مسألة احتراف الممثلين الكويتيين. وهذه الوثائق غطت عامين من عمر الفرقة المسرحية، التي عرضت في موسمين مسرحيين .. مسرحيات: صقر قريش، وفاتها القطار، وعمارة المعلم كندوز، وابن جلا، والمنقذة، واستأرثوني وأنا حي. وبعد تكوين الفرقة ووقوفها على أرض صلبة - بناءً على تخطيط علمي سليم – وعرضها عروضاً مسرحية ناجحة في موسمين؛ كان لزاماً على المسئولين تقييم هذه التجربة تقييماً سليماً؛ للوقوف على إيجابياتها وسلبياتها في محاولة لدفع الحركة المسرحية إلى الأمام. وهذا التقييم، هو موضوع وثيقة هذه الحلقة المؤرخة في 18/6/1963م، ونصها يقول:
دولة الكويت
وزارة الشئون الاجتماعية والعمل
محضر اجتماع
بحث التقرير السنوي للأستاذ زكي طليمات
المشرف الفني، خاصاً بالتجربة الأولى التي بذلتها الوزارة
لتطوير النشاط المسرحي بالكويت، مع تخطيطات مستقبلية
ـــــــــــــــــ
المكان والزمان: مكتب السيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل، بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 18/6/1963 في تمام الساعة السادسة.
الحضور: الأساتذة :- حمد عيسى الرجيب زكي طليمــات
محمد عبد الله الفهد محمد همام الهاشمي
الموضوع: مناقشة التقرير السابق الذكر، في النتائج التي أسفرت عنها الجهود التي بذلت في سبيل إنشاء مسرح عربي بمفاهيم سليمة، وعلى صعيد يتفق ونهضة الكويت. والتقرير، بعد أن يرسم المراحل التي مرت بها فرقة (المسرح العربي) منذ قيامها في أكتوبر 1961 والصعوبات الحتمية التي عبرت بها، فإن التقرير ينتهي إلى أمرين :-
أولاً :-
أ - اقتراح خطة إنشائية تكفل تزويد المسرح الكويتي بوجوه جديدة تجمع إلى حسن الاستعداد سعة التثقيف والتعليم العام والخاص.
ب - تشكيل (مجلس أعلى لرعاية الفنون الجميلة وآدابها) تتولى تنظيم رعاية الدولة للفنون الجميلة، وتنسيق الجهود التي تبذلها مختلف الوزارات، والهيئات الأهلية، ابتغاء الارتقاء بالفنون الجميلة.
ج - إنجاز اقتراح إنشاء مؤسسة لفنون المسرح والموسيقى والفولكلور بحيث تنبثق من المجلس الأعلى من أجل تنسيق الجهود التي تباشرها وزارة الشئون الاجتماعية والعمل في مجالات المسرح العربي والمسرح الشعبي، ومسرح التنمية الاجتماعية، وما عسى أن يستجد من هيئات فنية حديثة.
ثانياً - تدعيم (فرقة المسرح العربي) باستكمال عناصر تكوينها الإداري والحرفي وبتدارك أوجه الضعف القائمة فيها.
القرارات: وبعد مناقشة ما تقدم على أسلوب تفصيلي تقرر ما يأتي :-
أولاً : الخطة الإنشائية :-
1 - أن ينشئ (قسم) للدراسات المسرحية في نطاق مركز (رعاية الفنون الشعبية) كمرحلة تجريبية أولى، لمعرفة مدى نجاح هذه الدراسة وإقبال الشباب عليها، وكذلك إنشاء قسم للدراسات الموسيقية. وكلفت اللجنة الأستاذ زكي طليمات بوضع مشروع القسم الخاص بالدراسات المسرحية تمهيداً لمناقشته وإقراره وتولي تنفيذه. وستجري هذه الدراسات إما في (مسرح الدسمة) أو (مسرح كيفان) أو في المكان الحالي (لمركز رعاية الفنون الشعبية). هذا وستدرس الوزارة إمكانية قيام (مراقب التدريب) بديوان الموظفين، بالصرف على هاتين الدراستين، باعتبار أنهما لونان جديدان من ألوان التدريب المهني والفني.
2 - الاستمرار في الإجراءات التي اتخذتها الوزارة نحو تشكيل (المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب) والاتصال بالجهات المعنية، بعد موافقة مجلس الوزراء.
ثانياً : فرقة المسرح العربي :-
1 - إقرار تشجيع الاحتراف بالمسرح العربي تبعاً لما هو وارد في التقرير.
2 - أن يقوم الأستاذ زكي طليمات بوضع اللائحة الداخلية للمسرح العربي بعد مراجعة اللوائح المعمول بها في الفرق الحكومية بالجمهورية العربية المتحدة، بحيث تجئ اللائحة متفقة وملابسات البيئة المسرحية الكويتية وهي اللائحة التي تحدد مسئوليات أعضاء الفرقة إزاء الوزارة وبالعكس كما تعمل على تطبيق النظام وتحقيق المنهج المرسوم.
3 - اتخاذ كل ما من شأنه نحو استحثاث الشباب الكويتي، من الأعضاء المحترفين بالفرقة ومن غيرهم، لتولي الوظائف الإدارية والحرفية بالفرقة حتى تستكمل عنصراً من عناصر كيانها الذاتي بوجوه كويتية، لا سيما وأن الوزارة تتولي الآن الإشراف على (مسرح كيفان) ثم (مسرح الدسمة) وهي في مسيس الحاجة إلى إداريين وحرفيين يجب أن يكون أكثرهم من الشباب الكويتي.
4 - الموافقة على تجديد عقود الهيئة الفنية والإدارية بالمسرح العربي وهم:-
- ونيس منصور .. للإدارة والمساعدات الفنية.
- محمد صادق .. الحركة المسرحية.
- إبراهيم عثمان .. تركيب المناظر وميكانيست.
- محمود نصير .. الإضاءة المسرحية.
- محمد عبد الحميد .. فنان تخطيط الوجه.
وقبول الطلبات المقدمة من السيد/ محمد صفوت (الملقن) والسيد/ عصمت خليل (بمسرح التنمية الاجتماعية) والسيدتين زوزو حمدي الحكيم وجيهان رمزي، بشأن الرغبة في عدم تجديد عقد كل منهما ابتداء من أول أكتوبر سنة 1963. وتكليف الأستاذ زكي طليمات البحث عن غيرهما والتعاقد معهما ومع فنانين للتدريب والإخراج في مسرح التنمية الاجتماعية.
5 - الأخذ بنظام (ضيفات الشرف) للعنصر النسائي بالفرقة، وهو يقوم على التعاقد مع الممثلات الأولى اللواتي سيخترن تبعاً للمسرحيات التي يتقرر تقديمها في الموسم القادم، على أن يكون التعاقد لمدة شهر ونصف شهر في أقصاه وبمكافأة مقطوعة على أن تتعهد الوزارة بأجرة السفر والإقامة والانتقال.
6 - يرجأ اقتراح دعوة بعض كبار كتاب المسرحية واستضافتهم لمدة شهرين أو ثلاثة، بأمل أن يسجلوا انطباعاتهم عن الحياة الكويتية في مسرحيات يكتبونها. يرجأ هذا الاقتراح إلى معرفة عما تسفر عنه مباراة التأليف المسرحي التي أعلنت عنها الوزارة.
7 - إرجاء تعيين (مشرف) على مسرحي كيفان والدسمة، إلى العام المقبل حتى يتضح سير العمل في المسرحين السابقين، على أن يتوافر في هذا (المشرف) صفات الأخصائي الذي سبق أن مارس العمل في هذه الناحية.
8 - إقرار ما سبق قررته اللجنة التي شكلت بتاريخ 3/4/1963 برئاسة السيد الوكيل المساعد، لتقرير مكافآت مالية للكتاب الذين (تقدم فرقة المسرح العربي) مسرحيات لهم. وتتلخص القرارات فيما يلي خاصة برسم المكافآت:-
500 ديناراً للمسرحية الكبيرة التي لم يسبق تقديمها في مسارح القاهرة.
250 ديناراً للمسرحية الكبيرة التي سبق أن قدمتها مسارح القاهرة.
150 ديناراً للمسرحية ذات الفصل الواحد التي لم يسبق تقديمها بمسارح القاهرة.
75 ديناراً للمسرحية ذات الفصل الواحد التي سبق تقديمها بمسارح القاهرة.
وبناء على هذا التقرير يجري صرف المبالغ الآتية إلى الأستاذين :-
محمود تيمور : لمسرحية صقر قريش (جديدة) 500 دينار
لمسرحية ابن جلا (قديمة) 250 دينار
لمسرحية المنقذة (جديدة) 150 دينار
900 دينار
توفيق الحكيم :
لمسرحية أريد أن أقتل (قديمة) 75 دينار
لمسرحية المعلم كندوز (قديمة) 75 دينار
150 دينار
وصرف هذه المكافآت يتفق وما سبق أن قررت الوزارة من حيث تشجيع المسرحية الكويتية، بصرف مكافآت مالية لمن يجيد الكتابة في المسرح، كما أن رعاية دولة الكويت للتأليف المسرحي العربي عامة وفي أقطار الشرق العربي أمر له دلالة على رغبة الكويت الصاعد في أن تكون له مشاركة إيجابية في الارتقاء بالفن والأدب في أرض العروبة.
(وانتهى اجتماع اللجنة حيث كانت الساعة 8,45 مساءً)
إمضاءات
زكي طليمات .. محمد همام الهاشمي .. محمد عبد الله الفهد .. حمد عيسى الرجيب
تحليل الوثيقة :
وثيقة هذه الحلقة تحمل أهمية تاريخية كبيرة في مجال المسرح الكويتي، فهي دليل على أن المسئولين كانوا يقييمون أعمالهم كل فترة زمنية؛ من أجل التجويد والتطوير وتصحيح الأخطاء، أو تجنبها؛ فبعد مرور عامين على إنشاء فرقة المسرح العربي وعرضها لست مسرحيات، كان لابد من تقييم عملها إدارياً وفنياً، من أجل تطويرها واستمرارها على أسس منهجية سليمة. وربما يظن القارئ أن هذه الوثيقة مجرد ورقة مكتوبة من قبل إحدى لجان الوزارة، وما فيها مجرد كلام لم يُطبق على أرض الواقع! وهذا الظن سيتلاشى من فكر القارئ عندما يقرأ تحليلي لبعض بنود هذه الوثيقة، ومنها :
1 – أن اللجنة اقترحت تزويد (المسرح الكويتي) بوجوه جديدة. والحق يُقال فإن الوجوه الجديدة توافدت على فرقة المسرح العربي بكثرة؛ وسأتوقف عند وجهين بعينهما، لما لهما من أهمية تاريخية خاصة. الوجه الأول هو (أحمد عبد العزيز الجار الله)، وقد أشرت إليه في الحلقة الأولى إشارة عابرة بوصفه أحد الهواة المتقدمين للانضمام إلى فرقة المسرح العربي في بدايتها، ظناً مني أن الاسم لا علاقة له باسم الكاتب السياسي الكبير (أحمد الجار الله) عميد الصحافة الكويتية، ورئيس تحرير جريدة (السياسة) الكويتية. وعندما عُدت إلى الوثائق وأمعنت فيها النظر وجدت طلب التحاق الجار الله بالفرقة كان مصحوباً بصورته الشخصية، التي أكدت لي أن الفنان المسرحي (أحمد عبد العزيز الجار الله) الذي التحق بفرقة المسرح العربي في عهدها الأول عام 1961، هو الكاتب الكبير وعميد الصحافة الكويتية (أحمد الجار الله). وهكذا أضافت الوثائق تاريخاً فنياً مجهولاً لأحمد الجار الله، بجانب تاريخه الصحافي والسياسي. والوثائق التي بين يدي تبين أن الجار الله – أمين عام المخازن عام 1961 - التحق بفرقة المسرح العربي مع رعيلها الأول، وكان مستواه الفني – وفقاً للاختبارات الفنية – (فوق المتوسط)، وقد مثّل بالفعل أدواراً بسيطة في عروض الفرقة في موسمها الأول، لا سيما عرض مسرحية (صقر قريش).
أما الوجه الآخر فهو للفنانة القديرة المرحومة (طيبة عبد الله الفرج) – زوجة الفنان القدير جاسم النبهان - التي تُجمع المراجع والمصادر على أنها التحقت بفرقة المسرح الشعبي عام 1963. والجديد في الأمر – وفقاً لوثيقة تاريخية مهمة – أنها التحقت في هذا العام بفرقة المسرح العربي، لا بفرقة المسرح الشعبي! والوثيقة عبارة عن طلب رسمي قدمه والد الفنانة (عبد الله الفرج) إلى زكي طليمات بتاريخ 9/11/1963، قال فيه: "حضرة الأستاذ المشرف الفني العام، بعد التحية ومزيد الاحترام، أوافق بموجب هذا على اشتراك ابنتي الآنسة طيبة عبد الله الفرج كممثلة بالمسرح العربي، وهذا إقرار وموافقة مني بذلك". وأسفل هذا الإقرار كتب زكي طليمات تأشيرة لحمد الرجيب قال فيها: "السيد المحترم وكيل وزارة الشئون الاجتماعية، رجاء الموافقة، هذا مع العلم بأن الآنسة المذكورة كويتية خالصة، وقد حضرت مع والدها السيد عبد الله الفرج، وتقبلوا مزيد الاحترام". كما أشرّ طليمات أعلى الإقرار قائلاً: "يُنشئ ملف باسم (طلبات نسائية للالتحاق بالمسرح العربي)". وعلى الرغم من الحقيقة الرسمية المدونة في هذه الوثيقة، التي تثبت أن طيبة الفرج ممثلة بفرقة المسرح العربي، إلا أن ظهورها الأول كان ضمن فرقة المسرح الشعبي في مسرحية (سكانه مرته)، التي عرضت بمسرح كيفان في يناير 1964، وقامت طيبة الفرج بدور البنت الكبرى (شريفة)، كما قامت بدور (أم ناصر) في مسرحية (غلط يا ناس) للمسرح الشعبي أيضاً في يونية 1964، وفي نوفمبر من العام نفسه نجدها تقوم بدور (الخالة) في مسرحية (حظها يكسر الصخر) لفرقة المسرح الكويتي، التي مثلت لها أيضاً في مارس 1965 مسرحية (بقيتها طرب صارت نشب) وقامت بدور (أم صقر). وهكذا نجد طيبة الفرج تلتحق بفرقة المسرح العربي، ثم تنتقل إلى الشعبي، ثم إلى الكويتي في غضون عدة أشهر. وتفسير هذا الأمر – من وجهة نظري – يرجع إلى قلة العنصر النسائي في فترة بدايات المسرح الكويتي، وهذه القلة جعلت العناصر النسائية المحدودة تنتقل من فرقة إلى أخرى بغض النظر عن تبعية الممثلة إلى فرقة معينة.
2 – بإعادة النظر في الموضوع السابق، خصوصاً في العبارة الواردة في الوثيقة بأن اللجنة تقترح تزويد (المسرح الكويتي) بوجوه جديدة تجمع بين الموهبة الفنية وبين التعليم والثقافة؛ لاحظت عبارة (المسرح الكويتي) جاءت عامة؛ أي أن اللجنة لم تُقصر الأمر على فرقة المسرح العربي وحدها، بل عممت الأمر ليشمل كذلك فرقة المسرح الشعبي، ومسرح التنمية الاجتماعية، والمسرح المدرسي أو التوجيهي، والمسرح العسكري، وأخيراً فرقة مسرح الخليج العربي التي أُشهرت يوم 13/5/1963، أي قبل صدور هذه الوثيقة بأقلّ من شهر. وهذا الأمر يعني أن المسئولين لم يفرقوا بين الفرق المسرحية الكويتية في هذا الوقت، كما هو شائع – حتى الآن - بأن المسئولين ميّزوا فرقة المسرح العربي عن باقي الفرق المسرحية في تلك الفترة. كما أن هذا الأمر يعكس مدى اهتمام المسئولين بتثقيف وتعليم وتدريب الممثلين مع بداية النهضة المسرحية الكويتية، وهذا التثقيف لم يقتصر على عقد ندوات أو محاضرات أو ورش تدريبية؛ بل ظهر عملاقاً في صورة دراسة منتظمة تحت مُسمى (مركز الدراسات المسرحية) عام 1964، الذي اتسع واستمر فأصبح (معهد الدراسات المسرحية) عام 1969، ثم تطور وارتقى فأصبح (المعهد العالي للفنون المسرحية) عام 1973، الذي مازال يؤدي رسالته الفنية عبر منطقة الخليج العربي، ويمدّ المسرح العربي والخليجي بعناصر فنية مُميّزة. ومن يرغب في معرفة المزيد عن هذا المعهد – أو هذا الصرح الفني الخليجي - يستطيع قراءة كتاب (تاريخ المعهد المسرحي بدولة الكويت) المنشور في الكويت عام 1999م.
3 – سيلاحظ القارئ أن الوثيقة تتحدث عن إجراءات سوف تتم لتشكيل (المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب). وهذا الأمر يُعد كشفاً تاريخياً في وقتنا الراهن؛ لأن هذا المجلس هو الأساس الذي بُنيّ عليه إنشاء (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب) عام 1973 في الكويت. والوثائق تقول إن صاحب هذا الاقتراح (زكي طليمات)، الذي تقدم – إلى وكيل الوزارة حمد الرجيب - بمذكرة تفسيرية بتاريخ 8/5/1963، بخصوص تشكيل مجلس أعلى لرعاية الفنون الجميلة والآداب، يتبع رئاسة مجلس الوزراء مباشرة. وما جاء في هذه المذكرة كان الأساس النظري لإنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
4 – جاء في الوثيقة اقتراح بإنشاء مؤسسة لفنون المسرح، تتبع المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. وهذا الاقتراح تمّ بالفعل، عندما كتب زكي طليمات مذكرة تفسيرية بتاريخ 8/2/1964 بخصوص إنشاء مؤسسة المسرح والفنون الشعبية، وهي مؤسسة تشرف على: مركز الدراسات المسرحية، وقسم الفنون الشعبية، ودور التمثيل، وفرقة المسرح العربي، والمكتبة المسرحية، ومسابقات التأليف المسرحي، وتوجيه فرق الهواة، وذلك وفقاً لما جاء في نص المذكرة. وهذه المؤسسة خرجت إلى النور بالفعل عام 1964، وكان (زكي طليمات) المشرف العام عليها. وهذه المؤسسة مازالت تعمل حتى وقتنا الراهن تحت مُسمى (إدارة المسارح)، وتشرف عليها الأستاذة كاملة العياد، مع نخبة من رموز الإدارة المسرحية الكويتية، أمثال: حمد الرقعي، وجابر العنزي، وفالح المطيري.
4 – من المعروف أن العنصر البشري العربي – لا سيما المصري - أسهم كثيراً في بدايات نشاط المسرح في الكويت، وهذه الوثيقة تثبت أن المسئولين أرادوا تكويت الأمور الإدارية والفنية في المسرح الكويتي منذ نشأته نشأة منهجية. فبعد مرور عامين فقط على إنشاء فرقة المسرح العربي، وعرضها ست مسرحيات، بدأ العمل في تكويت إدارتها. وبناء على الوثائق التي بين يدي، أقول إن زكي طليمات كافح كفاحاً كبيراً في سبيل تكويت الفرقة إدارياً وفنياً، فبين يدي وثيقة مؤرخة في 22/2/1964، عبارة عن خطاب أرسله زكي طليمات - المشرف الفني العام - إلى مدير الشئون الإدارية والمالية بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل، قال فيه: "فيسعدني أن أعيد إلى سيادتكم تسعة تقارير سرية تخص موظفي فرقة المسرح العربي عن عام 1963 مع ملاحظة: أولاً- هؤلاء التسعة ليسوا موظفين بالمسرح العربي بالمعنى الكامل لأن ستة منهم رفضوا أن يساهموا في تصريف الشئون الإدارية الخاصة بالفرقة كما رفضوا تعلم أية حرفة من الحرف المسرحية مع أنهم يأخذون مرتباتهم كموظفين بالوزارة، وليسوا كممثلين بالفرقة. أما مكافآتهم عن عملهم ممثلين بالفرقة، فقد قدرت الوزارة لكل منهم عشرين ديناراً في الشهر. ثانياً- تقدير كفاية هؤلاء الموظفين جرى تبعاً لكفايتهم الفنية فيما عدا حسين الصالح، وخالد النفيسي، وجعفر مراد علي المؤمن، فقد جرى التقدير تبعاً لما يبديه كل منهم في الناحية الفنية والناحية الإدارية". وهناك وثائق أخرى تثبت أن زكي طليمات نجح أخيراً في تكويت إدارة الفرقة، بل وقدم مذكرة بضرورة الاكتفاء الذاتي في 8/2/1964، وفيها نجد جعفر المؤمن قام بالأعمال الكتابية، والمكتبة أدارها خالد النفيسي، كما تقلد حسين الصالح وظيفة المشرف الإداري لمسرح كيفان. والملاحظ – وفقاً للوثائق التي بين يدي - أن حسين الصالح كان المثل المُحتذى في عملية التكويت؛ ففي يوم 12/10/1963، أرسل زكي طليمات خطاباً إلى وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل، قال فيه: "فإلحاقاً لحديثنا بشأن تنظيم إدارة (مسرح كيفان) بعد أن فتح أبوابه واستقبل مهامه، ثم لدعوتي إلى أن تكون نواة الإدارة فيه من الشباب الكويتي تمهيداً للاكتفاء الذاتي في قطاع المسرح الكويتي، يسعدني بأن أحيطك بأن السيد (حسين الصالح) عضو فرقة المسرح العربي قد استجاب إلى هذه الدعوة، وأمضى أكثر من شهر من الزمن متمرساً بأعمال الإشراف الإداري في المسرح المذكور. لهذا أرجو الموافقة على أن يتولى السيد المذكور أمر (الإشراف الإداري) في هذا المسرح، وذلك نظير المكافأة الإضافية التي يأخذها من الوزارة وقدرها 20 ديناراً كويتياً بوصفه عضواً محترفاً بالمسرح العربي. هذا مع العلم بأن هذا التكليف لن يسقط عن سيادته صفة الممثل عضو الفرقة ولا يقف حائلاً دون تحقيق رغبته الخاصة في أن يدرس الإخراج المسرحي إلى جانبي كلما سمح الوقت له بذلك. وسأضع بياناً له بأعماله في المسرح المذكور ليكون مفيداً بإنجازها". وبخصوص دراسة حسين الصالح للإخراج المسرحي على يد طليمات، فيؤكد هذا الأمر خطاب طليمات إلى الوكيل المساعد للشئون الفنية يوم 23/11/1971، وجاء فيه: "... بشأن العمل على إعداد نفر من الفنانين الكويتيين ليسهموا بجهودهم في سير الدراسة بالمعهد [أي معهد الدراسات المسرحية] على أن يتولى إدارته من يبدي صلاحية لهذه المهمة. يسعدني أن أحيطكم بأنني لم أتلق منهم حتى الآن غير السيد/ عبد الله صالح الفحيلان الذي يعمل حالياً بالتليفزيون في ركن الصحافة، ولم يتوافر، بعد، بكل وقته على تدريس (مادة الثقافة المسرحية) وهي المادة التي أعده لكي يتولى أمرها في منهج الدراسة بالمعهد. وفوق هذا، فإن إعداد فنان كويتي واحد، لا يحقق الغرض الذي ننشده، لتكويت الإدارة والدراسة بالمعهد، ولا بد من أن يشمل هذه التهيئة أكثر من واحد. ومعلوم أن أول ما يجب أن يتوافر في هذا الفنان، هو أن يكون محباً للمسرح ومما عملوا فيه وأبلوا وخرجوا بتجارب شخصية فيه. ونظراً إلى أنه قد حان الوقت لأن يكون بين فروع مادة (الإلقاء والتمثيل) فرع خاص بالأداء التمثيلي باللهجة الكويتية باعتبار أن هذه اللهجة تؤلف الحوار في جميع المسرحيات التي تقدمها الفرق التمثيلية العاملة بالكويت. ونظراً إلى أنه من المتعذر تماماً على غير الكويتيين أن ينهضوا بهذه المهمة. لهذا أرجو الموافقة على أن يتولى تدريس هذه المادة الأستاذ/ حسين الصالح، وهو من خيرة الممثلين الكويتيين وأكفأهم، كما هو أنبه من يتولى الإخراج المسرحي بالكويت بعد أن درسه على يدي".
5 – جاء في الوثيقة أن اللجنة كلفت زكي طليمات بوضع اللائحة الداخلية لفرقة المسرح العربي؛ بحيث تكون تكويتاً للوائح الفرق المسرحية الحكومية المصرية. وهذه اللائحة وضعها بالفعل طليمات في 15/6/1964، وعُرفت فيما بعد باسم (النظام الأساسي)، وهذا النظام كان مثالياً سارت عليه فرق وجمعيات وأندية كثيرة، وفقاً لما بين يدي من الوثائق. فعلى سبيل المثال كتب الأستاذ أحمد الشاهين - أمين سر فرقة المسرح الكويتي - خطاباً إلى فرقة المسرح العربي في 9/6/1969، يطلب فيه تزويده بنسخة من هذا النظام كي تستفيد الفرقة منه. وفي 26/5/1975 كتب سعدون محمد الجاسم، وكيل وزارة الإعلام، خطاباً إلى فرقة المسرح العربي يطلب فيه نسخة من النظام الأساسي أيضاً، لأن بعض الدول العربية تطلبه. وفي 10/9/1988 كتبت صبيحة العبد الله الأحمد الصباح، رئيسة مجلس إدارة نادي الفتاة، خطاباً إلى فرقة المسرح العربي، تطلب هذا النظام، من أجل تعديل نظام النادي.
6 – جاء في الوثيقة الحديث عن نظام (ضيفات الشرف)، وهو نظام اتبعه المسئولون – في تلك الفترة – لمعالجة النقص الكبير في العنصر النسائي. ففي هذه الفترة لم يكن من الممثلات في فرقة المسرح العربي سوى مريم الصالح ومريم الغضبان! ونظام ضيفات الشرف، يعني استقدام ممثلة مصرية لتقوم ببطولة إحدى مسرحيات فرقة المسرح العربي، ويكون استقدامها لمدة شهر ونصف تقريباً، وهذا النظام كما جاء في الوثائق "يجذب الجماهير إلى حفلات الفرقة، ويكسبها طابعاً من الجدية والنزعة إلى التجديد". وفي الوثائق التي بين يدي، وثيقة مؤرخة في 19/9/1963 تقول إن ضيفات الشرف ثلاث: نعيمة وصفي، وسناء جميل، وعائدة عبد الجواد. وبالنسبة لنعيمة وصفي فقد حضرت إلى الكويت بالفعل ومثلت مسرحية (أبو دلامة) لعلي أحمد باكثير يوم 30/11/1963. أما (سناء جميل) و(عائدة عبد الجواد)، فكان مقرر للأولى القيام ببطولة مسرحية (مريض الوهم) لموليير؛ ومقرر للثانية القيام ببطولة مسرحية (مأساة جميلة) لعبد الرحمن الشرقاوي؛ والتاريخ يقول إن فرقة المسرح العربي لم تمثل هاتين المسرحيتين، ولم تحضر إلى الكويت سناء جميل أو عائدة عبد الجواد في هذه الفترة. وهذا يعني أن نظام (ضيفات الشرف) لم ينجح كما كان يأمل المسئولون؛ لذلك فكرّ زكي طليمات في بديل منطقي أوضحه في خطاب رسمي إلى (حمد الرجيب) - وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل - في 19/10/1963، يحقق الاكتفاء الذاتي لفرقة المسرح العربي من العنصر النسائي، وذلك بالاستعانة ببعض الممثلات المقيمات في الكويت، أمثال: أسمهان توفيق عبد الرحمن، وإنعام محمد علي، ونعمت محمود. ويوضح طليمات فكرته هذه بقوله: " الاثنتان الأولتان فلسطينيات وتقمن في الكويت منذ تسع سنوات، ويتكلمن اللهجة الكويتية بطلاقة تيسر لهن أن يعملن في مسرحيات كويتية. والأخيرة السيدة (نعمت محمود) فهي سيدة مصرية جاءت أخيراً إلى الكويت لتقيم فيها بعد زواجها من سيد لبناني، وبعد أن قطعت عملها ممثلة (بفرقة النهضة) وهي إحدى فرق مسرح التليفزيون بالقاهرة". وهذا التنوع في فكر المسئولين، يعكس مدى اهتمامهم بحل المشاكل المتعلقة بالمسرح، وذلك بطرح الحلول وتجريب الأفكار على أرض الواقع.
7 – تتحدث الوثيقة عن " اقتراح دعوة بعض كبار كُتّاب المسرحية واستضافتهم لمدة شهرين أو ثلاثة، بأمل أن يسجلوا انطباعاتهم عن الحياة الكويتية في مسرحيات يكتبونها". وعلى الرغم من إرجاء هذا الاقتراح وقتئذ؛ إلا أنه يعكس منهج التفكير العملي لدى مسئولي المسرح في الكويت، ولو تحقق هذا الاقتراح لرأت الكويت – في تلك الفترة – أعلام الكتابة المسرحية أمثال: توفيق الحكيم، ومحمود تيمور، وعلي أحمد باكثير، وقرأنا وشاهدنا على أيديهم أول مسرحيات عربية تعالج مظاهر الحياة الكويتية والخليجية! والسبب في إرجاء تنفيذ هذا الاقتراح أمران: الأول انتظار نتيجة مسابقة التأليف المسرحي التي أُعلن عنها في فبراير 1963، وهذا الانتظار أسفر عن ظهور كُتّاب المسرح من الكويتيين، أمثال: عبد العزيز السريع ومسرحيته (عنده شهادة)، وحسن يعقوب العلي و مسرحيته (أشرق الفجر)، وجعفر المؤمن ومسرحيته (موعد مع عزرائيل). أما السبب الآخر في إرجاء الاقتراح السابق؛ فكان التفكير في اتباع أسلوب تكويت المسرحيات العربية، وهذا الأمر منصوص عليه في وثيقة مؤرخة في 19/9/1963، جاء فيها الحديث عن قيام (عبد الرحمن الضويحي) بإعداد مسرحيات (طارق الأندلس) لمحمود تيمور، و(الكنز) لتوفيق الحكيم، و(آدم وحواء) لفتوح نشاطي، و(عفريت مراتي) لسليمان نجيب - وذلك لفرقة المسرح العربي - بعد (تكويتها) أي كتابتها باللهجة الكويتية.
هكذا انتهى حديثي عن الوثيقة الرابعة، التي تُمثل نهاية المرحلة الأولى في تاريخ بدايات المسرح الكويتي وفقاً لمنهج علمي مدروس، تلك المرحلة الذي بذل فيها زكي طليمات جهداً فنياً وإدارياً خارقاً، استطاع فيها تكوين فرقة مسرحية، ووضع أساس نهضة مسرحية كويتية مازالت تؤتي ثمارها حتى وقتنا الراهن.
خاتمة المرحلة الأولى:
هذه الحلقة هي الأخيرة بالنسبة للنشر في مجلة (كواليس)، وهي خاتمة وثائق المرحلة الأولى، التي تشتمثل على أربع وثائق أساسية تتضمن عشرات الوثائق الفرعية. أما المراحل الأخرى المتبقية فتشتمل على خمس وعشرين وثيقة أساسية ومئات الوثائق الفرعية، ويُمكن نشرها في خمس وعشرين حلقة من حلقات مجلة كواليس، وهو عدد كبير أشفق على قارئ المجلة من تتبعه، حتى لا يُصاب بالملل، خصوصاً وأنني أقوم بإعادة النظر في هذه الوثائق، وكذلك في الحلقات المنشورة، من أجل تجميع كل ما يتعلق بهذه الوثائق أملاً في نشرها في مجلد ضخم يليق بريادة الكويت للمسرح الخليجي، بحيث يكون هذا المجلد أهم مرجع يتحدث عن المسرح في الكويت: وثائقياً، وتاريخياً، وفنياً، خصوصاً وأن الوثائق تغطي فترة تأسيس المسرح في الكويت من عام 1961 إلى 1971.
سلسلة المسرح العربي المجهول:
على الرغم من أن هذه الحلقة هي آخر حلقات سلسلة (وثائق المسرح الكويتي) المنشورة في مجلة (كواليس)؛ إلا أن إدارة المجلة طلبت مني سرعة التفكير في كتابة سلسلة أخرى من أربع حلقات في موضوع مسرحي جديد. وبعد التفكير قررت أن أكتب السلسلة الجديدة تحت عنوان (المسرح العربي المجهول)! أي الكتابة عن عروض – أو نصوص – مسرحية عربية بصورة غير مسبوقة، شريطة أن يكون العمل مرّ عليه ما يقرب من القرن (مائة 100 سنة)!! وبذلك يكتسب الموضوع أهميته التاريخية وقيمته الفنية. فإلى اللقاء في أولى حلقات (المسرح العربي المجهول)!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق