وثائق المسرح الكويتي
(الحلقة الثانية)
صقر قريش .. وتنمية النشاط المسرحي
الأستاذ الدكتور/ سيد علي إسماعيل
ــــــــــــــ
تمهيد :
تحدثنا في الحلقة السابقة عن وثائق تشكيل فرقة التمثيل العربي، التي عُرفت – فيما بعد - باسم (فرقة المسرح العربي)، وأنها ستبدأ تدريباتها في نوفمبر 1961م؛ لتقديم مسرحية (صقر قريش) بوصفها أول عرض مسرحي لها، مع ملاحظة أن الفرقة كانت خالية من العنصر النسائي الكويتي؛ لذلك استعان زكي طليمات بممثلتين مصريتين هما زوزو حمدي الحكيم، وجيهان رمزي؛ ولكن بعد أيام قليلة حدثت المفاجأة وتقدمت أول آنسة كويتية للانضمام إلى الفرقة، وهي (مريم الصالح) الموظفة بوزارة الصحة؛ لتصبح بهذه الخطوة الجريئة رائدة التمثيل المسرحي في الكويت خاصة وفي الخليج عامة، ثم تبعتها في الفعل نفسه الرائدة الثانية (مريم الغضبان) الموظفة أيضاً بوزارة الصحة، ثم استعانت الفرقة في تدريبات مسرحيتها الأولى بفتاتين مصريتين تعملان في وزارة الصحة كذلك، هما: فوقية إبراهيم، وهدى عبد السلام. وهكذا انتهت مشكلة توفير العنصر النسائي للفرقة، وانتظمت التدريبات التي ظلت مستمرة طوال ثلاثة أشهر.
زار المحرر الفني لجريدة الرسالة الكويتية أعضاء فرقة المسرح العربي – أثناء تدريبهم على مسرحية صقر قريش – ونشر خلاصة هذه الزيارة – التي تُعد أول مقالة صحافية منشورة عن أعضاء الفرقة - يوم 25/2/1962، فنجد خالد النفيسي يتحدث عن نفسه بأنه اشترك في فرقة المسرح الشعبي لمدة سنة، والآن يفكر في احتراف التمثيل. كما أشاد بجهود طليمات في تعليمه وتدريبه قائلاً: " إنه قدوة لنا نستمد منه الروح القوية لمتابعة خطواتنا الأولى في التمثيل على المسرح العربي". أما مريم الغضبان فتحدثت عن اشتراكها في التمثيل بعد معارضة شديدة من أهلها خصوصاً الأب، وأخيراً تمكنت من إقناعهم بأن التمثيل مهنة شريفة. أما مريم الصالح فقد تخطت جميع الصعوبات التي اعترضتها في سبيل عملها في المسرح، فهي " لا تهتم بكلام الناس وتعتبر التمثيل فناً راقياً يمكن أن يلعب دوراً هاماً في المساهمة في توجيه وتثقيف المواطنين". وتحدثت الجريدة عن سعد مبارك الفرج قائلة: " متحمس جداً للتمثيل وينسجم في الدور الذي يُسند إليه كثيراً .. ينوي احتراف هذا الفن في المستقبل .. لقى كل التشجيع من أهله، خصوصاً شقيقه المحامي خليفة مبارك".
وبقدر اهتمام الصحافة بتدريبات مسرحية صقر قريش، وظهور فرقة المسرح العربي، بقدر خوفها على مستقبل فرقة المسرح الشعبي وعروضها. فقد كتب عبد الكريم مراد كلمة في جريدة الرسالة بتاريخ 17/12/1961، أبان فيها عن حزنه الشديد لما سمعه بأن فرقة المسرح العربي لن تعرض المسرحيات الشعبية، وأن المسرح الشعبي سيكون نسياً منسياً، واختتم الكاتب كلمته بأن الجمهور ينتظر عودة محمد النشمي وصالح العجيري. وفي مقالة أخرى للجريدة نفسها بتاريخ 21/1/1962 شكك النشمي في جدوى عروض فرقة المسرح العربي قبل أن تبدأ، قائلاً: " لا أستطيع أن أتكهن بالغيب وأقول إن نجاح الأستاذ زكي طليمات محتم؛ لأن التمثيل باللغة العربية والقيام بأدوار تاريخية .. أعتقد أن لهذا الصنف من الروايات رواداً قلائل، وعدداً محدوداً من الراغبين فيه. والتمثيل باللهجة الشعبية أو بمعنى آخر باللهجة المحلية لها أثر كبير في نفوس الناس فهم لهذا يرغبون في حضور هذا النوع من التمثيليات التي تستعمل بها اللهجة المحلية ".
وفي يوم 18/3/1962 وعلى مسرح ثانوية الشويخ ارتفع الستار عن عرض مسرحية (صقر قريش)؛ بوصفه أول عرض مسرحي حكومي لفرقة المسرح العربي، وظلت هذه المسرحية تُعرض بصورة متتابعة إلى يوم 4/4/1962، وهي من تأليف محمود تيمور، ومن إخراج وتمثيل زكي طليمات، مع مجموعة من الممثلين والممثلات، هم: مريم الصالح، مريم الغضبان، زوزو حمدي الحكيم، جيهان رمزي، فوقية إبراهيم، هدى عبد السلام، عبد الله خريبط، عبد الوهاب سلطان، علي ناصر، أحمد الملا، عدنان حسين، عبد الحسين عبد الرضا، نجم عبد الكريم، داود حمد، شابو عبد الحسين، عبد الجبار مجيد، عبد الرحمن الضويحي، حسن يعقوب العلي، محمد رجب، علي الملا، عباس عبد الرضا، أسد محمود، أحمد عبد العزيز، يوسف الخطيب، محمد عبد الله رمضان، حسين الصالح، خالد النفيسي، نايف شرف الدين، إبراهيم أحمد حسين، غانم صالح الغانم، عبد الرحمن مهنا، سعد مبارك الفرج، جعفر المؤمن، أمين عبد السيد حسن، محمود نجيب أبو فرحة، بديع حسن عمران، علي جمعة، مروان جوجو، محمد شاكر عبد الله، عبد الرحيم أبو عيسى، عز الدين عبد الرحيم، عيسى فهد الغانم. ومن الطريف أن هذه المسرحية تمّ تسجيلها إذاعياً، حيث ذكرت ذلك جريدة الرسالة – عدد44 بتاريخ 8/4/1962 – ونشرت الجريدة صورة مهندسي الإذاعة الكويتية أثناء تسجيلهم عرض المسرحية.
خارج السياق :
ما ذكرته سابقاً معلومات – ربما تكون معروفة للجميع - ذكرتها فقط تمهيداً للوثيقة المنشورة في هذه الحلقة. وهناك سبب آخر، ربما يكون خارج السياق المباشر للحلقة؛ ولكنه في الوقت نفسه يحمل معلومتين تاريخيتين مهمتين: الأولى، تتعلق بأول عرض مسرحي قدمه زكي طليمات في الكويت .. وأظن القارئ يتفق معي – ومع التاريخ أيضاً – بأنه عرض مسرحية (صقر قريش) لفرقة المسرح العربي في مارس 1962م .. وهل من شك في هذا؟! سأجيب على نفسي وأقول .. نعم! هناك شك في ذلك؛ لأن أول عرض مسرحي أقامه طليمات في الكويت كان مسرحية (الوحدة الكبرى) في مارس 1958م، عرضه أثناء انعقاد الموسم الثقافي الرابع بالكويت.
أظن القارئ سيندهش عندما يقرأ هذه المعلومة .. وربما سيندهش أكثر عندما يعلم أن هذا العرض المسرحي كان عرضاً شعرياً لمسرحية شعرية كبيرة الحجم، استغرق عرضها ثلاث ساعات، وظلت تُعرض كل يوم لمدة أسبوع كامل على مسرح ثانوية الشويخ، وبذلك تُعد هذه المسرحية – ربما - أول مسرحية شعرية تُعرض في الكويت!! والغريب أن هذا العرض اشتمل على استعراض راقص قامت به طالبات المدرسة القبلية للبنات في الكويت، وكانت أول مرة يشاهد الجمهور الكويتي الرقص الشعبي الكويتي معروضاً ومنفذاً على خشبة المسرح بواسطة بنات المدارس!! أما عجيبة العجائب فتمثلت في شخصية بطلة العرض، التي جسدت شخصية (العروبة) .. فقد قامت بها سيدة مصرية كانت تعمل في دائرة الشئون الاجتماعية وقتذاك، وهي الإعلامية الكبيرة – حالياً – الأستاذة (لميس الطحاوي)، التي تُعد أول امرأة تشارك في عرض مسرحي في تاريخ الكويت.
هذه المفاجأة التاريخية اكتشفتها، عندما قرأت حواراً نشرته جريدة (الرسالة) في 4/2/1962 للإعلامية الكبيرة أنيسة محمد جعفر (ماما أنيسة) - مقدمة برنامج (نادي الأطفال) – بوصفها أول كويتية تعمل في التلفزيون، قالت في حوارها هذا : "ومنذ مدة قدّم الأستاذ زكي طليمات وبعض الفتيات رقصة شعبية كويتية فأثار هذا العمل رضا الناس وإعجابهم". هذه العبارة زلزلت معلوماتي التاريخية! فحتى تاريخ هذا الحوار لم يمرّ عام واحد على وجود طليمات في الكويت! ومنذ وصوله رأيناه مهموماً بتكوين الفرقة، واختيار أعضائها والبحث عن العناصر النسائية .. إلخ .. فأين أقام طليمات هذه الرقصة الشعبية؟! وما مناسبتها؟ ومن أين له بالفتيات الراقصات؟ .. إلخ. وضعت احتمالاً واحداً – وكان صائباً – أن هذه الرقصة قدمها طليمات في زيارته الأولى إلى الكويت عام 1958م؛ لذلك عدت إلى دوريات هذه الفترة لأجد إشارة إلى هذا العرض منشورة في مجلة المجتمع – التي تصدرها دائرة الشئون الاجتماعية – في إبريل عام 1958م، وهناك إشارة أخرى تُشير إلى اسم الآنسة المصرية التي جسدت شخصية (العروبة)، وهي (لميس الطحاوي). وبعد جهد جهيد استطعت الحصول على رقم هاتفها – أطال الله في عمرها – فاتصلت بها اليوم الأربعاء 27/1/2010، ومن خلال حواري معها، حصلت منها على المعلومات التي ذكرتها من قبل عن العرض المسرحي الأول، الذي أقامه زكي طليمات في الكويت عام 1958م.
أما المعلومة الثانية فتتعلق بصقر الرشود وبدايته مع فرقة مسرح الخليج العربي، فالأغلب الأعم ممن كتبوا عن صقر – إن لم يكن كلهم – يجمعون على أن صقراً – مع مجموعة من الهواة - ألّف فرقة مسرحية باسم (فرقة المسرح الوطني) عام 1962م، وهذه الفرقة عرضت مسرحيته (فتحنا) - على مسرح مدرسة الصديق - في نهاية عام 1962م، وهذه الفرقة كانت النواة الأولى لتشكيل فرقة مسرح الخليج العربي، التي أُشهرت يوم 13/5/1963. ويعلق خالد سعود الزيد – في كتابه (المسرح في الكويت: مقالات ووثائق)، ص104 – على مسرحية (فتحنا)، قائلاً : "وبغض النظر عن مضمون المسرحية وأهدافها ومعالجاتها إلا أن اسمها يوحي بما يختلج في نفوس الشباب من ثورة ورغبة بالانعتاق من هيمنة النشمي وهيمنة زكي طليمات معاً. سواء أكان هذا العنوان مقصوداً أم غير مقصود فهذه حقيقة واقعة فالمعروف أن صقراً لم يكن على وفاق مع زكي طليمات حيث يعتبره مدرسة قديمة، لا تنسجم مع تطلعات الشباب ونوازعهم المسرحية ".
المعلومات السابقة تؤكد أمرين: الأول؛ أن صقر الرشود ألّف فرقة المسرح الوطني، التي مثلت مسرحيته (فتحنا) في نهاية عام 1962، أي بعد أن عرض طليمات – وأعضاء فرقة المسرح العربي - مسرحية (صقر قريش) في مارس 1962؛ أي أن فرقة المسرح العربي كانت الأسبق في العرض، ومن ثم كانت فرقة المسرح الوطني. والأمر الآخر؛ أن صقر الرشود عرض مسرحيته (فتحنا) في نهاية عام 1962، حتى يبتعد عن هيمنة طليمات على المسرح الكويتي، ويثبت له – أي لطليمات – بأن مدرسته القديمة لا جدوى منها أمام تطلعات الشباب، كما أبان لنا ذلك خالد سعود الزيد.
عزيزي القارئ .. هل أنت على استعداد لأن تقرأ خبراً يعصف بكل ما سبق ويقلب كل ما جاء فيه إلى العكس تماماً؟! هذا الخبر نشرته جريدة (الرسالة) الكويتية في عددها الثامن بتاريخ 25/5/1961، وجاء فيه الآتي : " فرقة المسرح الوطني فرقة مسرحية جديدة في الكويت تتألف من شباب يهوى التمثيل. وقد افتتحت الفرقة موسمها الفني بتقديم رواية اجتماعية تعالج مشاكل المجتمع والأسرة. نتمنى لهذه الفرقة ولأفرادها كل تقدم وازدهار". هذا الخبر يؤكد الحقائق السابقة من حيث الوجود الحقيقي والتاريخي لفرقة المسرح الوطني، وأنها تألفت في الكويت، وأنها عرضت مسرحية اجتماعية في افتتاح موسمها الفني الأول .. ولكن الغريب هو تاريخ نشر الخبر (25/5/1961)، فهذا التاريخ يثبت أن صقر الرشود ألف فرقة المسرح الوطني قبل أن يبدأ طليمات عمله في تكوين فرقة المسرح العربي!! ويثبت أن مسرحية (فتحنا) عُرضت قبل أن تتكون فرقة المسرح العربي، وقبل أن تعرض أية مسرحية!! ويثبت أن مسرحية (فتحنا) لا علاقة لها بموقف صقر من طليمات أو هيمنته؛ فأين هي هذه الهيمنة وطليمات لم يؤلف فرقة المسرح العربي بعد، ولم يعرض أية مسرحية؟! ويثبت أخيراً ضعف رأي خالد سعود الزيد بأن "صقراً لم يكن على وفاق مع زكي طليمات حيث يعتبره مدرسة قديمة، لا تنسجم مع تطلعات الشباب ونوازعهم المسرحية "، فأي وفاق وأي اتفاق، وأي مدرسة قديمة أو مدرسة جديدة .. فطليمات في مايو 1961 – وقت نشر الخبر – لم يكن له في الكويت سوى شهر وبضعة أيام، وهي فترة لا تسمح له بأن يُهيمن على شيء، ولا تسمح بظهور مدرسته، التي ظهرت بعد عرض مسرحية (صقر قريش) في مارس 1962.
تقديم للوثيقة:
قبل نشر وثيقة هذه الحلقة، يجب أن أُشير إلى أن مسرحية (صقر قريش) نالت نجاحاً كبيراً على المستوى الرسمي بقدر إخفاقها على المستوى الشعبي! وبمعنى آخر أقول: إن مسرحية (صقر قريش) نجحت نجاحاً باهراً كما خطط لها زكي طليمات، ولكنها كانت على عكس ذلك في نظر محمد النشمي وأنصاره - وهذا المعنى سيتضح جزء منه في تحليل وثيقة هذه الحلقة، وسيتضح الجزء الآخر في بقية الحلقات – وأكبر دليل على ذلك مقالة سالم عبد الباقي تحت عنوان (أضوء على مسرحية صقر قريش)، المنشورة في جريدة الرسالة بتاريخ 25/3/1962، وفيها يبين الكاتب عيوباً كثيرة في العرض. أما مقالة زكي طليمات عن العرض نفسه - المنشورة في مجلة العربي في يونية 1962 - فقد أوضح فيها أن العرض كان فتحاً فنياً لا مثيل له.
وثيقة هذه الحلقة عبارة عن مذكرة مرفوعة من زكي طليمات إلى وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل. والوثيقة غير مؤرخة؛ ولكن تاريخها المُرجح يقع بين إبريل ويونية 1962؛ لأنها تتحدث عن موضوعات جاءت بعد انتهاء عروض مسرحية صقر قريش في أبريل 1962، ولم يُذكر فيها عروض المسرحية التالية (فاتها القطار)، التي عُرضت في يونية 1962 بمناسبة العيد الوطني. والوثيقة عبارة عن سبع صفحات مكتوبة بخط يد زكي طليمات – وتوقيعه - في صورة مسوّدة، بها تعديلات وتصويبات طفيفة كطبيعة مسودات الأوراق الرسمية، ونصها يقول:
السيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل
تحية طيبة وبعد،،
يسعدني أن أُضمّن ما يأتي، اقتراحات تستهدف تنمية النشاط المسرحي الذي تشرف عليه الوزارة، بتنظيمه وتوسيع مجالات العمل فيه وإحكام أهدافه، تمشياً مع خطة التنمية العامة القائمة في سائر نواحي الحياة الاجتماعية بالكويت، وبحيث يصبح هذا النشاط أداة دافعة لتطوير المجتمع وتوجيهه الوجهة الصالحة. والنشاط المسرحي الذي تشرف عليه الوزارة الآن يتألف من:
أولاً: المسرح العربي
ثانياً: المسرح الشعبي
ثالثاً: مسرح التنمية الاجتماعية
أولاً: المسرح العربي
أتت التجربة الأولى لقيام فرقة عربية تقدم نفائس المسرحيات العربية بالبيان الفصيح، بنتاج طيب، فاق نجاحه ما كان مؤملاً، وبهذا أثبتت التجربة صلاحية الأمر الذي جرت فيه، وذلك من حيث قابلية الممثل الكويتي لأن يستجيب إلى عوامل التطور والتقدم في فن الأداء التمثيلي طبقاً لقيمه وأوضاعه الفنية السليمة، ثم من حيث استجابة الجمهور إلى ما يقدمه هذا الممثل والتأثر به.
فقد قدمت مسرحية (صقر قريش) في 18 حفلة متتابعة أقبل الجمهور عليها على الوجه المشرف المعروف، وبهذا سجلت رقماً جديداً لم يكن معروفاً في النشاط المسرحي هنا. هذا على الرغم مما عليه المسرحية المذكورة من رفاعة في الأسلوب البياني، وعمق في التحليل النفسي، وتركيز في تتابع المشاهد، وجدية في معالجة الموضوع .. وكل هذا يقيم الحجة على أن بالكويت صفوة من الجمهور المثقف يستسيغ الفن الرفيع ويقبل عليه. وبهذا برر المسرح العربي أسباب إنشائه، على الرغم من:
أ - ضيق الإمكانيات.
ب - قلة عدد المتمرسين بشئون المسرح في نطاقه الكبير.
ج - حداثة شئونه الإدارية ومجريات أحواله بالعمل الإداري المألوف.
د - إن أعضاء الفرقة لم يكونوا لعمل الفرقة بكامل وقتهم وجهدهم، إذ أن جميعهم يشتغلون وظائف حكومية أو أهلية طوال النهار.
ومن هنا تأتى أن مسرحية (صقر قريش) استغرق إخراجها أكثر من ثلاثة شهور، ثم لسبب غير الأسباب السابقة، وهو أن التدريبات لم تكن تجري إلا مرة واحدة، في المساء ولمدة قصيرة دون الوقت المقرر عادة للتدريبات في الفرق العاملة، ومعلوم أن التدريبات تجري فيها بمعدل مرتين في اليوم، مرة في الصباح والأخرى في المساء. ويزيد على ما تقدم من أسباب، أن أعضاء الفرقة، وكلهم من الهواة، يواجهون لأول مرة دراسة نظرية وعملية في فنون المسرح ويتقيدون في حركاتهم وتنقلاتهم طبقاً لخطة مرسومة وليس ارتجالاً. إلا أن نشاط فرقة عاملة لا يصح أن يقتصر على إنتاج مسرحية واحدة، وإذا كان هذا مقبولاً في المحاولة الأولى لما سبق أن ذكرته من أسباب، فإنه لا يكون مقبولاً في المحاولة التالية. وتدارك هذه الحال يكون بتلافي أسبابها، وأهمها هو عدم توافر أعضاء الفرقة على عملهم لكافة وقتهم.
1 - احتراف التمثيل
ويكون بأن ينقطع للعمل بالفرقة بكل الوقت والجهد، الأشخاص الذين أثبتوا جدارة واضحة بأن يكونوا نهائياً لخدمة المسرح عن طريق الاحتراف، وقد كشفت التجربة الأولى عن وجود ما لا يقل عن خمسة عشر شاباً، عدا الممثلتين الكويتيتين، وهؤلاء يصح نقلهم إلى وزارة الشئون الاجتماعية بنفس الدرجات التي يكونون عليها في الوظائف التي يشغلونها بمختلف الوزارات. فإذا كان بينهم نفر من غير الموظفين الحكوميين، فيجري تعيينهم، أو أن تصرف لهم مكافآت مقطوعة في كل شهر. ومعلوم أن احتراف التمثيل في قطر من الأقطار ينبئ بأن المسرح يستقبل مرحلة حديثة في الإنتاج وأنه سيصبح مرفقاً ثقافياً ذا شأن.
2 - استقرار الفرقة في دار للتمثيل خاصة بها
أول أمر أن يكون للفرقة مسرح ثابت تُعرف الفرقة به ويُعرف المسرح بها، وفي هذا المسرح تنتظم أعمالها الفنية والإدارية، كما يتضمن المكان مخازن للملابس والأثاث والمهمات ومرسماً لعمل المناظر .. إلخ. ومن حيث إن الوزارة في صدد إعداد مسرحي (كيفان)، (الشامية) فإني أقترح أن يكون مسرح (كيفان) مخصصاً لمقام (فرقة المسرح العربي).
3 - التنويع فيما تقدمه الفرقة من مسرحيات
ولكي تخاطب (فرقة المسرح العربي) جميع الطبقات، وتؤثر في مختلف المستويات الذهنية والثقافية، وتماشي تباين الأذواق - وبهذا يكون إنتاجها للجميع وليس لطبقة واحدة، هذا ونحن نعيش في ديمقراطية التعليم - أرى ألا يقتصر ما تقدمه الفرقة على المسرحيات التاريخية المكتوبة باللسان الفصيح، بل تقدم أيضاً المسرحيات التي تعالج شئون الحاضر في قيمه الإنسانية العامة وفي مشاكل المجتمع العربي - والكويت من المجتمع العربي - على أن تكون مكتوبة باللهجة الكويتية .. وأن يراعى في اختيارها الخفة في المعالجة والمنهج، والنزعة إلى الفكاهة من غير افتعال، ومن غير أن تسف إلى تملق الجانب الهابط في الجمهور، ومن المعلوم أن القيمة الأساسية للمسرحية ليس في أسلوبها البياني، وإنما في صحة معالجتها وخضوعها لشروط الفن الرفيع. وفي وسعي أن أقدم نماذج من هذه المسرحيات المصرية التأليف والأسلوب، على أن تنقل إلى اللهجة الكويتية. وبهذا تحقق فرقة (المسرح العربي) هدفين في وقت واحد وهما: إعلاء البيان الفصيح مع إحياء صفحات من مفاخر التاريخ العربي، ثم رعاية الحاضر في قيمه ومشكلاته .. فلا يكون هناك تعالٍ ولا إسفاف.
4 - النظر في استقدام أخصائيين في فنون المسرح
ومن حيث إن إنتاج المسرح العربي لن يقل عن خمس مسرحيات في الموسم القادم وهو نفس العدد من المسرحيات التي تقدمه فرقة (المسرح القومي) بالقاهرة .. ومن حيث إن عدد الهيئة الفنية القائمة من المصريين لا يمكن بأية حال أن يستجيب إلى مطالب هذا الإنتاج الكبير .. ومن حيث إنه سيكون هناك مسرحان جديدان واحد (للمسرح العربي) والآخر لاستقبال الفرق التمثيلية التي ستحضر من الخارج، ولا بد أن يستكمل كل مسرح منهما طاقمه من الفنيين. ومن حيث إن إشرافي الفني والإداري سيتضاعف ويتعقد، الأمر الذي يقضي بأن يكون إلى جانبي من يساعدني. لهذا أرى استقدام نفر جديد من الأخصائيين، وقد ذكرت وظائفهم في المذكرة الخاصة بميزانية المسرح العربي.
ثانياً : المسرح الشعبي
بعد أن أصبح من التزامات (المسرح العربي) أن يقدم مسرحيات باللهجة الكويتية تخاطب جميع الطبقات، ولا سيما المتوسطة فيها وما دونها، وتخاطبهم فيما يشغلهم من شئون الحاضر، فإن مهمة (المسرح الشعبي) أصبحت غير ذي موضوع، ولا سيما أنه يوجد مسرح (التنمية الاجتماعية) ويتألف من عدة فرق تتبع المراكز الاجتماعية التي تشمل جميع أنحاء الكويت.
ثالثاً: مسرح التنمية الاجتماعية
وهو في حالته الراهنة غير مستقر على تخطيط واضح، كما تعوزه المسرحيات الجيدة، والأهداف الواضحة المعالم، وإنما هو بوضعه القائم لا يزيد عن أنه يؤلف حقلاً للنشاط الفني لجماعات من العمال ومن إليهم. هذا المسرح يجب أن يوضع له تخطيط جديد بحيث يحقق أغراضاً اجتماعية هادفة وصريحة، تستمد ماهيتها من المشكلات المحلية القائمة في أوساط العمال ومن إليهم، وتستلهم في التوجيه والتأثير، الأسس التي يقوم عليه نظام الحكم في الكويت، وتدفع التيارات الهدامة أن تعشش في البيئات المختلفة. هذا المسرح، إذا أحيط بما يعمل على تحقيق أغراضه التي أجملت ذكرها من غير تفسير، فإنه سيحل مكان المسرح الشعبي إذ يتولى توجيه أكبر قطاع في الجمهور، وهو قطاع العمال ومن إليهم.
رابعاً: إنشاء مؤسسة لفن التمثيل
ولتنفيذ التخطيط الذي يشمل ما تقدم ذكره بحيث تتعاون الجهود وتنسجم الإجراءات، أرى أن تنشئ الوزارة مؤسسة بعنوان (مؤسسة فن التمثيل)، تكون اختصاصها ما يأتي:
1 - المسرح العربي
2 - مسرح التنمية الاجتماعية
3 - إدارة مسرحي (كيفان)، (الشامية)
4 - تقديم الاقتراحات الخاصة بالفرق الأجنبية ثم تولي تنفيذها بعد موافقة الوزارة.
5 - العمل على تكوين فرقة للفلكلور الكويتي تتولى تطوير نواحيه الخاصة بالموسيقى المسرحية والإيقاع الجماعي.
6 - بحث وسائل تنمية الوعي الأدبي والفني وإقامة مباريات لتشجيع الأقلام الكويتية على الكتابة للمسرح، وبإنشاء دراسات منظمة في فنون التمثيل.
7 - اقتراح ميزانية المؤسسة في مختلف فروعها.
8 - وضع اللائحة الداخلية لكل من المسرح العربي، والتنمية الاجتماعية، وما عسى أن يضاف إليها من هيئات جديدة.
ويكون لهذه المؤسسة مشرف عام يتولى شئونها الفنية والإدارية يساعده سكرتيران عامان، أحدهما من أبناء هذا القطر ليتمرس بجميع أعمال المؤسسة ويلم بها نظرياً وعملياً.
وبعد .. فإذا وافقت سيادتك على هذا التخطيط الأولي بعد مناقشته، فإنه يشرفني أن أرفع إليك ما يتصل به من تفاصيل.
وتفضلوا بقبول وافر الشكر والاحترام،
[توقيع]
زكي طليمات
تحليل الوثيقة:
هذه الوثيقة تعكس لنا كيف كان المسئولون يخططون لتنمية الكويت اجتماعياً وفنياً، فبعد نجاح مسرحية (صقر قريش) - بوصفها الأولى في إنتاج وزارة الشئون الاجتماعية – نجد زكي طليمات يقدم إلى رئيسه المباشر اقتراحات عديدة تهدف تنمية المسرح الوليد في الكويت، وهذه الاقتراحات – لو استحسن استغلالها في دراسات مستقبلية – ستغير كثيراً من خريطة تاريخ المسرح في الكويت، وستجعلنا نعيد التفكير في حقائق عديدة كنا نعتقد في صحتها، كما أنها ستضيف إلى معارفنا أموراً كنا نجهلها .. ومن أمثلة ذلك:
1 – أن زكي طليمات - رغم إقراره بنجاح تجربته المسرحية الأولى – كان شجاعاً باعترافه بوجود مشاكل عديدة لم تجعل نجاحه كاملاً، وهي مشاكل لا يد له فيها، ومنها: ضيق الإمكانيات، وقلة عدد المتمرسين بشئون المسرح الإدارية، وأن أعضاء الفرقة غير متفرغين للعمل الفني .. إلخ. والجيد في الأمر أن هذا المسئول لم يطرح على رئيسه مشاكل العمل فقط – كما يحدث الآن – بل طرح على رئيسه المشكلة، كما طرح عليه أيضاً الحل الأمثل لها! وهذا يعني أن تقدم المسرح في الكويت – في ستينيات القرن الماضي – كان قائماً على شجاعة العاملين فيه باعترافهم بالمشاكل، مع رجاحة عقولهم في طرح الحلول المثلى لهذه المشاكل.
2 – علمنا مما سبق أن فرقة المسرح العربي تتكون من أربعين ممثلاً من الهواة، وهذه الوثيقة تُحدد عدد الجديرين بالاحتراف المسرحي في الفرقة ممن أثبتوا جدارة واضحة في التمثيل. وللأسف الشديد أن الوثيقة تحدد فقط عددهم، ولم تذكر أسماءهم .. وأظن القارئ يتلهف لمعرفة أسماء هؤلاء الصفوة من الممثلين الرواد. ولحُسن الحظ أن بين يدي وثيقة مؤرخة في 8/10/1962 بعنوان (بيان بأسماء المرشحين لاحتراف التمثيل من أعضاء المسرح العربي، وذلك بنقلهم بمرتباتهم ووظائفهم ودرجاتهم إلى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل)، وهم: " عبد الرحمن الضويحي بوزارة الصحة على الدرجة الخامسة، وسعد مبارك الفرج بوزارة الأشغال على الدرجة السابعة، وعبد الحسين عبد الرضا بوزارة الأنباء والإرشاد على الدرجة السادسة، وعبد الوهاب سلطان بوزارة الأنباء والإرشاد على الدرجة السادسة، وعلي ناصر البريكي بوزارة الأنباء والإرشاد - طالب متمرن بقسم التصوير - ويوسف مصطفى الخطيب بالبلدية على الدرجة الثامنة، وخالد النفيسي بالموانئ والجمارك على الدرجة السادسة، وغانم صالح الغانم بوزارة العدل على الدرجة السابعة، وحسن يعقوب العلي بوزارة الأشغال العامة على الدرجة السابعة، وجعفر مراد المؤمن بوزارة الداخلية على الدرجة الثامنة، وعباس عبد الرضا حسين بالبرق والهاتف على الدرجة السابعة، وعدنان حسين خلف بوزارة الشئون الاجتماعية على الدرجة السادسة، ونجم عبد الكريم بوزارة المالية والاقتصاد على الدرجة السابعة، وحسين الصالح بوزارة العدل على الدرجة السادسة، وعبد الله خريبط بوزارة الشئون الاجتماعية على الدرجة السادسة، والآنسة مريم الغضبان بوزارة الصحة العامة على الدرجة الثامنة، والآنسة مريم الصالح بوزارة الصحة العامة ".
3 – الأسماء السابقة تم نقلهم بالفعل إلى وزارة الشئون الاجتماعية، وأصبحوا محترفين في فرقة المسرح العربي، وأغلبهم يظن – كما كنا نظن أيضاً – أن عملية النقل والاحتراف تمت بصورة سلسلة، بل أن بعض المحترفين لا يعلمون أن عملية نقلهم لاقت صعاباً جمة؛ ولكنها طريفة!! فالوثائق الفرعية التي بين يدي تقول إن وزير الصحة العامة لم يوافق – في خطابه الرسمي إلى وزير الشئون الاجتماعية محمد يوسف النصف في 3/11/1962 - على نقل الآنستين مريم الصالح، ومريم الغضبان بل وافق فقط – في بداية الأمر – على ندبهم. أما عبد الرحمن الضويحي فلم يوافق الوزير على نقله لعدم استطاعة الوزارة الاستغناء عنه. أما عبد الحسين عبد الرضا، وعبد الوهاب سلطان، وعلي ناصر البريكي فلم يجد وزير الشئون الاجتماعية درجات مالية خالية كي ينقلهم عليها، فطلب – في خطابه الرسمي المؤرخ في 20/10/1962 - من وزير الإرشاد والأنباء – التابع إليه هؤلاء الموظفين – الموافقة على نقلهم إلى وزارة الشئون بحيث يقبضون رواتبهم من وزارة الإرشاد!! ومن الطريف أن نقلهم تم بالفعل؛ ولكن مشكلة ظهرت لعلي ناصر البريكي، حيث إنه كان تحت التمرين في وزارة الإرشاد، وعندما نُقل إلى وزارة الشئون نُقل كموظف في الدرجة الثامنة. وبناء على ذلك أصبح النقل غير قانوني، فتمت عدة مراسلات بين الوزارتين انتهت بمنح الدرجة الثامنة إلى علي ناصر البريكي، وبسبب احترافه المسرح، أصبح موظفاً حكومياً. ولعل خطاب زكي طليمات إلى وكيل وزارة الشئون في 23/5/1963، يُجمل هذا الموضوع، وفيه يقول: " بشأن منح الدرجة الثامنة إلى السيد/ علي ناصر البريكي المنتدب للعمل (بالمسرح العربي) من وزارة الإرشاد والأنباء، وموافقة سيادتكم على ذلك ولكن أمر هذا المنح لم يتم، نظراً إلى أن السيد علي ناصر البريكي المذكور لم يكن موظفاً دائماً بوزارة الشئون. إلا أن الوضع قد تغير الآن بعد أن تم نقل سيادته من وزارة الإرشاد والأنباء إلى وزارة الشئون الاجتماعية أسوة بزملائه الذين نقلوا إلى الوزارة لاحتراف التمثيل بالمسرح العربي، وأصبح سيادته الآن موظفاً بالوزارة ولكن لا يتقاضى إلا مكافأة طالب متمرن. لهذا وجب رفع الأمر إلى سيادتكم من جديد لتقرير منحه الدرجة الثامنة باعتبار أن سيادته يتولى عملاً فنياً وليس إدارياً بالمسرح العربي وأنه يحمل شهادة إتمام الدراسة الإعدادية وقد أمضى عاماً في الدراسة الثانوية. فالمرجو التفضل باتخاذ ما يلزم نحو إنهاء هذه المسألة التي تعتبر مقياساً واضحاً لمدى اهتمام الوزارة بتشجيع الاحتراف بالمسرح العربي".
4 – معظم الكتابات التي كُتبت عن المسرح الكويتي في هذه الفترة، كانت تهاجم أسلوب زكي طليمات في اختياره للمسرحيات التاريخية المكتوبة باللغة العربية الفصحى، وهذه حقيقة لا جدال فيها؛ ولكن هذه الوثيقة تُبين حقيقة أخرى كنا نجهلها، وتثبت أن زكي طليمات لم يفرض هذا الأسلوب على عروض فرقة المسرح العربي، بل أنه طالب – بعد عرض (صقر قريش)، أي بعد أول عرض له - بأن تقوم الفرقة بتقديم المسرحيات الكوميدية المكتوبة باللهجة الكويتية، التي تعالج مشاكل الكويت الاجتماعية وقتئذ، كما اقترح أيضاً تكويت المسرحيات المصرية، أي تحويل عربيتها أو لهجتها المصرية إلى اللهجة الكويتية.
5 – المُطلع على بدايات المسرح في الكويت، يعلم جيداً الصراع الشرس الذي دار بين زكي طليمات ومحمد النشمي، وهذا الصراع آثاره مازالت منشورة في صحف ومجلات الكويت، ومازالت الكتابات الحديثة تتناقله حتى يومنا هذا؛ ولكن ما أسباب هذا الصراع؟! الأسباب عديدة – كما هو معروف – منها: المنافسة الفنية بين أسلوب طليمات الفني القائم على الدراسة والخبرة، وأسلوب النشمي القائم على الموهبة والارتجال. بالإضافة إلى المنافسة الفنية بين فرقتي العربي والشعبي، ومساندة حمد الرجيب لأستاذه طليمات، وإصرار النشمي على قيام الرجال بأدوار النساء بعكس طليمات الذي أوقف المرأة الكويتية لأول مرة على خشبة المسرح .. إلخ الأسباب المعروفة؛ ولكن هذه الوثيقة تُفجر مفاجأة – لا أظن أن النشمي نفسه كان على علم بها، وربما كان يشعر بمعناها في داخله – وهي اقتراح زكي طليمات بإلغاء فرقة المسرح الشعبي!! وربما هذا الاقتراح كان السبب الخفي والحقيقي وراء هذا الصراع. وحتى أكون محايداً، يجب أن أُشير إلى أن اقتراح طليمات هذا كان اقتراحاً مبرراً بأسباب منطقية؛ حيث إن طليمات طالب بأن تُقدم فرقة المسرح العربي مسرحيات اجتماعية كوميدية باللهجة الكويتية، وهي المسرحيات نفسها التي تقدمها فرقة المسرح الشعبي. كذلك أشار طليمات إلى إمكانية الاستغناء عن المسرح الشعبي لأن بديلاً له موجود بالفعل ويُقدم نوعية مسرحياته، وهو (مسرح التنمية الاجتماعية)! ورغم هذا التبرير المنطقي إلا أننا لم نجد اقتراحاً آخر أكثر منطقية - لو اقترحه طليمات - وهو تطوير فرقة المسرح الشعبي ودعمها مع بقاء وجودها، أو تطويرها لتكون بديلة لمسرح التنمية الاجتماعية، وليس العكس!!
6 – قبل الحديث عن هذه الوثيقة كنا نعلم أن فرقة المسرح الشعبي هي أول فرقة مسرحية في الكويت، ثم جاءت بعدها فرقة المسرح العربي، والجديد في هذه الوثيقة حديث طليمات عن (مسرح التنمية الاجتماعية)! فحديثه يُبين أن هذا المسرح يتألف من عدة فرق مسرحية موجودة بالفعل في جميع المراكز الاجتماعية في الكويت، وهذه الفرق قدمت وتُقدم مسرحيات متنوعة؛ رغم عدم استقرارها على تخطيط واضح. والحديث عن هذا المسرح – في الوثيقة – يعكس لنا أن هذا المسرح – ربما – كان الأسبق من حيث الوجود الفعلي من فرقة المسرح الشعبي!! والوثيقة لم تُفصح عن أسماء العاملين في هذا المسرح، ولم تذكر أسماء ممثليه، ولا أسماء مسرحياته ... إلخ، وربما تكشف الأيام – فيما بعد – عن تفاصيل هذا المسرح ليخرج إلى النور جانب مجهول من تراثنا المسرحي الغائب عن ذاكرتنا.
وأخيراً سيلاحظ القارئ أنني تجنبت التعليق على اقتراحات أخرى وردت في هذه الوثيقة، مثل: إنشاء مؤسسة فن التمثيل، وتكوين فرقة للفلكلور الكويتي، وإقامة مباريات في التأليف المسرحي، وإنشاء دراسات في فنون التمثيل .. إلخ، وهذا التجنب كان مقصوداً؛ لأن أغلب هذه الاقتراحات لها وثائق أخرى تفصيلية سأتحدث عنها باستفاضة في حلقاتنا القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق